خالد عويس .. إعلامي سوداني مقيم في وشنطن
khalidowais@hotmail.comقبل دقائق من انطلاق مباراة الجزائر ومصر بملعب المريخ في أم درمان، كنت أتحدث هاتفيا مع الصديقة أسماء الحسيني في القاهرة، وكان محور الحديث، إلى جانب المباراة، الدور الذي يُفترض أن يلعبه مثقفو وإعلاميو البلدين في مراجعة العلاقات السودانية – المصرية، وتصحيحها.ولأسماء الحسيني، كما للصديقتين أميرة ومنى الطحاوي وغيرهما في مصر، كما لعدد من المثقفين السودانيين أدوار كبيرة، ليس في مسح الجوخ و"الطبطة" ووادي النيل وما إلى ذلك من الكلام العاطفي السمج والساذج، وإنما في فتح ملف العلاقات المصرية – السودانية وتحليلها وتشريحها بكل أبعادها وتعقيداتها التاريخية والسياسية والاجتماعية بشكل يؤدي فعلا لتأسيسها على نحو جديد.
لكن، مجهودات كهذه تغيب أو تُغيّب وسط التهريج الذي يمارسه محسوبون على الإعلام في مصر، مثل إبراهيم حجازي ومثل عمرو أديب ومجموعة المهرجين الذين كانوا معه في الاستديو بعد انتهاء مباراة مصر والجزائر، الذين كالوا للسودان وشعب السودان إساءات بالغة، وبالغوا في نقل صورة مأساوية عن الأوضاع في الخرطوم مفادها أن المصريين في السودان يتعرضون للذبح على أيدي الجزائريين، وأن أجهزة الأمن السودانية وقفت مكتوفة الأيدي – هذا إن لم تكن متواطئة -، وتحولت الحلقة بقدرة قادر إلى فاصل طويل من "الردح" والسخرية بالسودان وأجهزته الأمنية وتنظيمه ومطاره و..شعبه!
المؤسف حقا أن بعض المصريين الذين اتصلوا هاتفيا من الخرطوم، أو من مطار القاهرة – بعد وصولهم سالمين – كالصديق مصطفى بكري، انضموا إلى حفلة الردح هذه.مصطفى اتهم على الهواء مباشرة السودانيين بأنهم اصطفوا مع الجزائريين وحملوا أعلامهم و"حاصروا" المصريين!!
السودانيون "أحرار" يا مصطفى بكري في أن يشجعوا أي فريق، وما من وصي عليهم، لكن لم يحاصروا مصريا واحدا !!
مصطفى بكري اتهم السلطات السودانية بأنها لم تفعل شيئا لحماية المصريين، مطالبا الدولة المصرية بالتدخل فورا، بل ومذكرا بالعروبة و بـ"تضحيات مصر" !!
الفنان المصري محمد فؤاد أيضا لم يفوّت الفرصة، وهاتف مجموعة المهرجين من الخرطوم ليذكر أنه تعرض للضرب وأنه، مع مجموعة من المصريين، في حالة حصار في
الغريب أن وزير الإعلام المصري، أنس الفقي تدخل – هاتفيا – مؤكدا أن أجهزة الأمن السودانية منتشرة بكثافة في شوارع الخرطوم وأنها تقوم بواجبها على أكمل وجه، وزير الصحة المصري، الدكتور حاتم الجبلي بدوره تدخل – هاتفيا – وأكد أن الإصابات بين المشجعين المصريين لا تتعدى "الخدوش" !!
وتحدث أيضا المستشار الطبي للسفارة المصرية في الخرطوم الدكتور ممدوح علي مؤكدا لهم أنه ذهب إلى المطار وطاف بكل المستشفيات في الخرطوم، ولم يجد مصريا واحدا هناك، وأن الموقف ليس كما يزعمون، لكن، لا حياة لمن تنادي !!
المخرج خالد يوسف اتصل بمجموعة المهرجين وقال بالحرف الواحد: "ربما ما سأقوله لن يعجب الكثيرين، الموقف ليس بالخطورة وبالسوء الذي يتم التحدث عنه، هاتفت مجموعة من أصدقائي السودانيين في الخرطوم وأكدوا لي ذلك، الذعر الحادث في مطار الخرطوم سببه الزحام والتدافع، ليست هناك حرب، وليست هناك إصابات خطيرة تستدعي كل هذا الخوف".
لكن المهرجين قاطعوه ولم يسمحوا له باكمال حديثه خاصة حين انتقل للكلام عن محبة الجزائريين للمصريين !!
الفنان أشرف زكي اتصل مباشرة من الخرطوم بعد خالد يوسف مؤكدا أنه في مطار الخرطوم وأن الأمور هادئة جدا هناك وهم في طريقهم، هو ومجموعة من الفنانين، إلى الطائرة!!
لكن حفلة الردح ضد السودان استمرت، وعمرو أديب والمهرجون الذين معه في الاستديو تطاولوا على المتحدث باسم الشرطة السودانية، الفريق محمد عبدالمجيد، الذي ألومه على عدم إغلاق الهاتف في وجوههم!!
وبعد أن كان السودانيون في نظر هؤلاء قبل ساعات، أشقاء فتحوا بيوتهم للمصريين والجزائريين على حد سواء بعد أن امتلأت فنادق الخرطوم، تحولوا بقدرة قادر، هم وأجهزتهم الأمنية، إلى "مسخرة" !!
ولم يقم بحماية المصريين في الخرطوم سوى "بعض الجهات المصرية في السودان"، وهذا يعني أن الأجهزة الأمنية السودانية كانت تغط في النوم !! وتُرى، هل فات على هؤلاء العباقرة في الاستديو في القاهرة أن يقولوا لنا كم هو عدد "بعض الجهات المصرية في السودان" لتقوم بحماية الآلاف في الخرطوم؟
هل هذا هو جزاء المعروف؟
السودان ترك جراحات حروبه مفتوحة وتسامى على مشكلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليرحب بالأشقاء، ونجح بظرف 48 ساعة فقط في تنظيم واحدة من أصعب المباريات، وخرجت المباراة في أزهى وأبهى صورة ممكنة، وسهرت قوات الأمن السودانية على حماية وراحة الضيوف طيلة 72 ساعة، وبذل السودانيون جهدا خرافيا في الضيافة، لكن النتيجة كان صفرا كبيرا لمداراة هزيمة مصر في الميدان !!
الكاتب بلال فضل دعا بلاده إلى اتخاذ موقف حازم تجاه الجزائر والسودان !! ولماذا ضد السودان؟
لأن عمرو أديب و"شلة" المهرجين الذين معه تحدثوا صراحة عن "مستوى" أجهزة الأمن السودانية، وسخروا من تجهيزاتها واستعدادتها !!
لأن عمرو أديب و"شلة" المهرجين الذين معه تحدثوا صراحة عن أمور لم تجر إلا في خيالاتهم !!
بيان الداخلية السودانية كذّب كل هذا التهريج، حيث أكّد أن الشرطة السودانية لم تسجل أي بلاغ قتل، ولا أذى جسيم، أما بلاغات الأذى البسط، فقد كانت حالة واحدة (فقط) لمصري ضد جزائري، وأخرى لجزائري ضد جزائري، أما البلاغات الأخرى فقد كانت بلاغات سرقة واحتيال !!
بعض الجزائريين في الخرطوم سلكوا سلوكا سيئا جدا ومعيبا بحق مضيّفيهم السودانيين قبل أن يعتدوا على المصريين.وبعض وسائل الإعلام المصرية مارست استخفافا بحق السودان والسودانيين غير مقبول.
والسبب في كل ما جرى، في القاهرة وفي الخرطوم سببه بعض وسائل الإعلام المصرية – كعمرو أديب – وبعض وسائل الإعلام الجزائرية – كجريدة الشروق -، التي خرجت تماما عن الروح الرياضية وصوّرت الأمر على أنه حرب بين الدولتين، والآن بعد فرغ عمرو أديب من الجزائر تحوّل إلى السودان ليوسعه سبّا واستخفافا، وهذا غير مقبول أبدا، لا من عمرو أديب ولا من غيره، وعلى حكومة السودان، طالما أن التنظيم كان رائعا بشهادة العالم، والإجراءات الأمنية كانت ممتازة، على حكومة الخرطوم أن توقف "قلة الأدب" والمتطاولين على السودان عبر إجراءات دبلوماسية، فكل شيء، كل شيء يهون في سبيل كرامة هذا الوطن ومواطنيه.
سودانايل