الاحتفال بمولده صلى الله عليه و سلم
د.رشيد بوطربوشاختلف الناس في مسألة عمل المولد بين مجيز و مانع، و الراجح جواز الاحتفال بمولده صلى الله عليه و سلم و جمع الناس عليه، و تعريف الناس بشمائله الكريمة و بسيرته العطرة. و قد جمعت بعض فتاوي أهل العلم في المسألة على عجالة من أمري على أن أبسط الأمر في قابل بحول الله تعالى.
ومن النماذج التي أمكن اختيارها بين مجموعة من آراء و فتاوى علماء أشير إلى:
الحافظ شهاب الدين الشافعي:
فتوى الحافظ أبي شامة شهاب الدين عبد الرحمن الشافعي ت 665 هـ المعروف بالشيخ الإمام النووي قال: "و أحسن ما ابتدع في زماننا هذا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم من المعروف و الصدقات و إظهار الفرح و السرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء يشعر بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم و تعظيمه في قلب فاعل ذلك" انظر التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار للأستاذين عبدالكريم مراد و عبدالحى العمراوى
العلامة محمد بن عبد الله ابن الحاج الفاسى القيرواني التلمساني المالكي:
تحدث في كتابه المدخل عن تعظيم شهر ربيع الأول و حث على تكريمه و احترامه و الإكثار من فعل الخيرات، فيه لأنه وقع فيه مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، شكرا لله على أن أولانا هذه النعمة العظيمة، و ذكر إشارة الحديث النبوي إلى فضيلة يوم ولادته و شهرها بقوله، صلى الله عليه وسلم، لمن سأله عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه"
شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال رحمه الله "فتعظيم المولد و اتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس و يكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده و تعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم" اقتضاء الصراط المستقيم ص 297. و سئل عن الفقراء المجتمعون في المسجد يذكرون و يقرؤون شيئا من القرآن ثم يدعون ويكشفون رؤوسهم و يبكون ر يتضرعون و ليس قصدهم من ذلك رياء و لا سمعة بل يفعلونه على وجه التقرب من الله هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب: "الحمد لله، الإجماع على أن قراءة القرآن و الذكر و الدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة و لم تقترن به بدعة منكرة. الفتاوىج 22 ص 523. قلت و من هذا الباب كما يتضح اجتماع الناس لأجل الاحتفال بالمولد النبوي فهم يجتمعون على قراءة القرآن و ذكر الله والأمداح النبوية و الاستماع إلى دروس السيرة و إلى توصيات العلماء و نصائحهم بإتباع سنته صلى الله عليه وسلم و تطبيق شريعته.
الإمام الونشرسي و الشيخ محمد بن عباد:
فتوى أبى عبد الله محمد ابن عباد ت 730 هـ: سئل هذا العارف بالله عما يقع في المولد النبوي من وقود الشموع و غيرها فأجاب: "الذي يظهر أنه عيد من أعياد المسلمين و موسم من مواسمهم " ذكر ذلك أبو العباس أحمد بن يحى الونشريسى المتوفى سنة 916 هـ. وقد استند العارف بالله محمد بن عباد المذكور في رسائله الكبرى إلى قصة المرأة التي نذرت أن تضرب بالدف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم سالما من الغزو فاستشف منها جواز الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بعد أن استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوفاء بنذرها حينما رجع سالما فأذن لها و فعلت ما نذرته.
الحافظ ابن حجر العسقلاني:
ما استنبطه الحافظ ابن حجر العسقلاني ت 852 هـ من تخريج جواز عمل المولد من حديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون و نجا فيه موسى فنحن نصومه شكرا لله فقال صلى الله عليه وسلم نحن أولى بصومه بموسى منكم " انظر فتح الباري
الشيخ رشيد رضا:
من فتاوى الشيخ رشيد رضا ت 1255 هـ ونصه: إن أول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد النبوي ملوك الشراكسة بمصر. و قال سئل الحافظ بن حجر عن الاحتفال بالمولد النبوي هل هو بدعة أم لا فأجاب بقوله: "اصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن واحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة الأولى، و لكنها مع ذلك اشتملت على محاسن و ضدها، فمن جرد عمله في المحاسن و تجنب ضدها كان بدعة حسنة و من لا فلا" . فتاوى الشيخ رشيد رضا ج 4 ص 1243
الإمام القسطلاني:
ما أثبته الإمام القسطلاني ت 922 هـ من جواز الاحتفال بالمولد النبوي بما هو مشروع لا منكر فيه، واستشف هذا الجواز من حديث البخاري في باب الجنائز من كون أبى بكر الصديق تمنى الموت في هذا اليوم لكونه اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم و فيه توفي. شرح القسطلانى على صحيح البخاري
الإمام تقي الدين السبكي:
ذكر نور الدين الحلبي في سيرته ت 1014 هـ أن الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السكي رئيس علماء الشافعية بمصر ت 664 هـ اجتمع عنده في مجلسه كثير من علماء عصره فأنشد الشاعر الصرصري قوله في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه قياما صفوفا أو جثيا على الركب
فقام الإمام السكى و قام معه كل من كان بالمجلس و حصل أنس كثير من ذلك المجلس، قال المؤلف "و عمل المولد و اجتماع الناس له كذلك مستحسن" السيرة الحلبية
الإمام الألوسي:
ما استنبطه الألوسى من تفسير قول الله تعالى "قل بفضل الله و رحمته فبذلك فليفرحوا" الآية 58 يونس. فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة كما قال عز و جل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الآية 107 الأنبياء. و كما جاء في الحديث: "إنما أنا رحمة مهداة" رواه الحاكم في مستدركه عن أبى هريرة. فوجب من هنا الاحتفال و الفرح بهذه الرحمة. تفسير الألوسى
الشيخ أحمد زين دحلان:
قال الشيخ أحمد زين دحلان مفتي الشافعية. بمكة ت 1066 هـ : "العادة أن الناس إذا سمعوا ذكرى وضعه صلى الله عليه وسلم يقومون تعظيما له صلى الله عليه وسلم و هذا قيام مستحب لما فيه من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، و قد فعل ذلك كثير من علماء الأمة الذين نقتدي بهم. انظر السيرة النبوية والآثار المحمدية المطبوع على هامش السيرة الحلبية.
الدكتور الشرباصي:
جواب الدكتور أحمد الشرباصي مفتي الأزهر في عصره: إذ قال "ورغم أن هذا العمل بدعة فهو عادة حسنة إذا خلا من المناكر ولم يصاحبه أمر غير مشروع لأن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها من العبر و العظات ما يحيي موات النفوس و يأخذ بها إلى طريق الخير و البر...ثم قال: و لو أننا أخذنا بالنظرية التي تقول لا نحتفل بالمولد لأن ذلك ليس من الدين لقضينا على ذكريات كثيرة نجنى من تذكرها و الاحتفال بها خيرا كثيرا و توعية إسلامية كبرى.
الحافظ السخاوي:
ما قاله الحافظ شمس الدين السخاوي ت 876 هـ وهو من المتشددين في مجال البدع و نصه: "إن عمل المولد أحدث بعد القرون الثلاثة الأولى ثم لازال أهل الإسلام بسائر الأقطار يعملونه و يتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات و يعتنون بقراءة مولده الكريم و يظهر عليه من بركاته كل فضل عظيم".